إن من نعم الله تعالى على عباده أن شرع لهم مواسم للخيرات، ومحطات إيمانية تجدد إيمانهم، وتفتح لهم أبواب التنافس في الخير، ومدراج لرفعة الدرجات، وتكفير السيئات، ومن هذه المواسم المشروعة، والتي دلت عليها السنة النبوية الصحيحة، يوم عاشوراء، وهو يوم نجى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام من عدو الله فرعون وجنوده.

ما هو يوم عاشوراء:

يوم عاشوراء هو يوم العاشر من شهر المحرم من التقويم الهجري.

العبادات المشروعة في يوم عاشوراء:

العبادات في الإسلام مبنية على التوقيف، بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يبتكر طقوسًا دينية لم يأمر بها الله تعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرع، وقد دل على هذا القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن القرآن قول الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [1]المائدة/3 ؛ فقد أكمل الله تعالى لنا الدين، فما لم يشرعه الله تعالى فليس من الدين.

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم) [2]الطبراني في الكبير 1647 ، وصححه الألباني في الصحيحة 1803.

وأما العادات، وهي ما اعتاده الناس في أمور دنياهم مما يحتاجون إليه، فالأصل فيه عدم الحظر، فلا يٌحظر إلا ما حظره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمطلوب من المسلم فيها أن يراعي أمر الله تعالى ونهيه في معاملاته، وأموره كافة.

وأما الطقوس الدينية، والعبادات، فلا يجوز لأحد أن يُحدث عبادة أو عمل يدعي أنه يقرب إلى الله تعالى، لم يأمر به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

والمشروع في يوم عاشوراء من الأعمال التي يُخصص بها هذا اليوم هو الصوم، ولا يمنع هذا أن يعمل الإنسان الأعمال الصالحة التي تشرع في سائر الأيام، ولكن لا يخص اليوم باحتفال أو طقوس معينة، لم يشرعها الله تعالى، ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سبب صوم عاشوراء:

وأما سبب صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء وحث الناس على صومه فهو ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ” [3]صحيح البخاري/1865.

فضل صيام عاشوراء:

وأما فضل صيام يوم عاشوراء، فقد ورد فيه حديث صحيح، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ”[4]صحيح مسلم 1162.

وهذا فضل عظيم لمن يطبق هذه السنة، ويصوم هذا اليوم إيمانا واحتسابًا.

والصيام في شهر الله المحرم مستحب عمومًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم”[5]صحيح مسلم 1982 .

وصايا في نية صيام عاشوراء:

يستحضر المسلم الإخلاص لله تعالى، ويستحضر اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يستحضر نية صيام يوم في سبيل الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا” [6]صحيح البخاري / 2840.

وكذلك استحضار نيل الثواب الموعود به صيام يوم عاشوراء من تكفير ذنوب السنة الماضية.

كيف يكفر صيام عاشوراء الذنوب:

قال ابن القيم رحمه الله:

“يَقُول بَعْضُهُمْ: يَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ الْعَامِ كُلَّهَا، وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةً فِي الْأَجْرِ، وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ، أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهِيَ إِنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ.

فَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، لَا يَقْوَيَان عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ، إِلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إِلَيْهَا، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ.

فَكَيْفَ يُكَفِّرُ صَوْمُ يَوْمِ تَطَوُّعٍ كُلَّ كَبِيرَةٍ عَمِلَهَا الْعَبْدُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا، غَيْرُ تَائِبٍ مِنْهَا؟ هَذَا مُحَالٌ.

عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ مُكَفِّرًا لِجَمِيعِ ذُنُوبِ الْعَامِ عَلَى عُمُومِهِ، وَيَكُونُ مِنْ نُصُوصِ الْوَعْدِ الَّتِي لَهَا شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، وَيَكُونُ إِصْرَارُهُ عَلَى الْكَبَائِرِ مَانِعًا مِنَ التَّكْفِيرِ ، فَإِذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَى الْكَبَائِرِ تَسَاعد الصَّوْم وَعَدَم الْإِصْرَارِ، وَتَعَاونَا عَلَى عُمُومِ التَّكْفِيرِ، كَمَا كَانَ رَمَضَانُ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ مُتَسَاعِدَيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ، مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [7]سُورَةُ النِّسَاءِ/ 31؛ فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّكْفِيرِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَتَسَاعَدَ هُوَ وَسَبَبٌ آخَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ، وَيَكُونُ التَّكْفِيرُ مَعَ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ أَقْوَى وَأَتَمَّ مِنْهُ مَعَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ أَسْبَابُ التَّكْفِيرِ كَانَ أَقْوَى وَأَتَمَّ وَأَشْمَلَ” [8]الجواب الكافي /13.

نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لكل خير.

المراجع

المراجع
1 المائدة/3
2 الطبراني في الكبير 1647 ، وصححه الألباني في الصحيحة 1803
3 صحيح البخاري/1865
4 صحيح مسلم 1162
5 صحيح مسلم 1982
6 صحيح البخاري / 2840
7 سُورَةُ النِّسَاءِ/ 31
8 الجواب الكافي /13